الســلام عليــكم ورحمة الله وبركاته
الميلاد :
في 11 ذي القعدة سنة 148 هجرية وُلد عليّ بن الرضا ( عليه السلام ) في المدينة المنورة .
أبوه : الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، وأمّه : إمرأة صالحة اسمها 'نجمة'.
أمضى طفولته مع أبيه الإمام ، وكان أبوه يوصي أصحابه ويشير إلى إمامة ابنه .
قال علي بن يقطين : كنت عند ' العبد الصالح ' ،فدخل عليه ابنه علي الرضا ، فقال الإمام : يا علي بن يقطين هذا سيّد ولدي، فقال هشام بن الحكم : لقد أخبرك أنّ الأمر له من بعده .
كما سأله أحد أصحابه عن الإمام من بعده ، فأشار إلى ابنه الرضا وقال : هذا صاحبكم من بعدي .
وكانت الظروف في عهده في غاية الخطورة ، فكان الإمام الكاظم يوصي أصحابه بالكتمان .
أخلاقه :
الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) هم النخبةالذين اصطفاهم الله لهداية الناس بالحقّ ، فكانوا المثَل الأعلى فيالإنسانية والخلق الكريم .
يقول ' إبراهيم بن العباس ' : ما رأيت أبا الحسنالرضا جفا أحداً بكلامه قط ، وما رأيته قطَع على أحد كلامه حتى يفرغ منه ،وما ردّ أحداً من حاجة يقدر عليها ، وما مدّ رجليه بين جليس له قط ، ولااتّكأ بين يدي جليس له قط ، ولا شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط ، ولارأيته تفل قط ، ولا تقهقه في ضحكه ، بل ضحكه التبسم ، وكان إذا خلا ونصبتمائدته أجلس معه عليها مماليكه حتى البواب والسائس ، ومن زعم انه رأى مثلهفي فضله فلا تصدّقوه .
ورافق أحدهم الإمام الرضا في رحلته إلى خراسان ،فدعا الإمام بالمائدة وجمع عليها مواليه ومماليكه لتناول الطعام ، فقالالرجل : يابن رسول الله لو جعلت لهؤلاء مائدة لوحدهم ؟
فقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : إن الرب تبارك وتعالى واحد ، والأب واحد والأم واحدة ، والجزاء بالأعمال .
وخاطب أحدهم الإمام قائلاً : والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً . فقال الإمام : التقوى شرّفتهم .
وأقسم آخر أيضاً قائلاً : أنت والله خيرُ الناس .
فأجاب الإمام : لا تحلف يا هذا ، خيرٌ مني من كانأتقى لله عزّ وجل . . والله ما نُسخت هذه الآية ' وجعلناكم شعوباً وقبائللتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ' .
كان الإمام الرضا ( عليه السلام ) جالساً يحدّث الناس وهم يسألون عن الحلال والحرام ، فدخل رجل من أهل خراسان ، وقال :
السلام عليك يا بن رسول الله ، أنا رجل من محبّيك ومحبّي آبائك وأجدادك (عليهم السلام ) ، عُدتُ من الحج ، وقد أضعت نفقتيوليس عندي شيء ، فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي ولله علي نعمة ، فإذا وصلتتصدّقت عنك بنفس المبلغ الذي تعطيني إيّاه ، فأنا رجل لا أستحقّ الصدقة .
فقال الإمام بلطف : اجلس رحمك الله .
ثم استأنف حديثه مع الناس حتى انصرفوا ، فنهض الإمام ودخل الحجرة وأخرج يده من وراء الباب ونادى : أين الخراساني ؟ فأجابه .
فقال الإمام : هذه مائتا دينار فاستعن بها على سفرك ولا تتصدّق عني .
فأخذها الخراساني و ودع الإمام شاكراً .
بعدها خرج الإمام ، فقال أحد أصحابه : لماذا سترت وجهك عنه يا بن رسول الله ؟
فقال الإمام : حتى لا أرى ذلّ السؤال في وجهه . أماسمعت حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله ) : ' المستتر بالحسنة تعدلسبعين حجة ، والمذيع بالسيئة مخذول ، والمستتر بها مغفور له ' .
لا تغترّ :
كان ' أحمد البزنطي ' واحداً من العلماء الكبار ،تبادل مع الإمام كثيراً من الرسائل ، آمن بعدها بإمامة الرضا ( عليهالسلام ) ، وقد روى هذه الحكاية :
طلب الإمام الرضا ( عليه السلام ) حضوري وأرسل ليحماراً له ، فجلسنا نتحدّث ، ثم قدّم العشاء فتعشيت ، ثم عرض عليّ المبيتفقلت : بلى جعلت فداك ، فطرح بنفسه علي ملحفة وكساء وقال لي : بيّتك اللهفي عافية ، وكنّا على السطح .
ونزل الإمام ، فقلت في نفسي : لقد نلت كرامة من الإمام ما نالها أحد ، وداخلني الغرور .
وفي الصباح ودّعني الإمام وشدّ على كفي قائلاً :إنّ أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) أتى صعصعة بن صوحان يعوده في مرضه، فلما أراد أن ينهض قال له : يا صعصعة لا تفتخر على إخوانك بعيادتي إياك .
كأنما قرأ الإمام ما يجول في خاطره ، فوعظه وذكّره بعيادة جدّه الإمام علي ( عليه السلام ) لأحد أصحابه .
الإمام ينصح أخاه :
كان زيد أخو الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، ثار في مدينة البصرة وأحرق بيوت العباسيين ، فلُقِّب بزيد النار .
أرسل إليه المأمون جيشاً كبيراً ، وبعد معارك طاحنة ، طلب زيدٌ الأمان فسلّم نفسه وأُخذ أسيراً .
وعندما أصبح الإمام ولياً للعهد ، ارتأى المأمون أن يرسله إلى الإمام .
كان الإمام غاضباً من عمل أخيه زيد لكثرة ما أحرق من البيوت وما صادره من أموال .
قال الإمام لأخيه : ويحك يا زيد ما الذي غرّك حتىأرقت الدماء وقطعت السبيل ، أغرّك قول أهل الكوفة ، أن فاطمة أحصنت فرجهافحرم الله ذرّيتها على النار ! ويحك يا زيد إنّ ذلك ليس لي ولا لك ، لقدعنى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بذلك حسناً وحسيناً ، والله ما نالاذلك إلا بطاعة الله ، فإن كنت ترى أنك تعصي الله وتدخل الجنة فأنت إذنأكرم على الله منهما ومن أبيك موسى بن جعفر .
قال زيد : أنا أخوك .
فقال الإمام : أنت أخي ما أطعت الله عز وجل ، وإنّنوحاً قال : ربّ إنّ أبني من أهلي وإنّ وعدك الحق وأنت أرحم الراحمين .فقال له الله عز وجل : ' يا نوح انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح ' .
في مجلس المأمون :
جمع المأمون زعماء الأديان والمذاهب وأمرهم بمناظرة الإمام الرضا ( عليه السلام).
كان المأمون يهدف إلى إحراج الإمام بأسئلتهم . وكان' النوفلي ' من أصحاب الرضا ( عليه السلام ) وقد سأله الإمام : أتدريلماذا جمع المأمون أهل الشرك ؟
فقال النوفلي : إنه يريد امتحانك .
فقال الإمام : يا نوفلي أتحبّ أن تعلم متى يندم المأمون ؟
قال النوفلي : نعم .
قال الإمام : إذا سمع احتجاجي على أهل التوراةبتوراتهم وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم ، وعلىالصابئين بعبرانيتهم .
توضأ الإمام وانطلق مع أصحابه إلى قصر الخلافة ، وبدأ الحوار .
قال الجاثليق : أنا لا أريد أن يحاججني رجل بالقرآن لأني أنكره ولا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) لأني لا أؤمن به .
قال الإمام الرضا : فإن احتججت عليك بالإنجيل أتومن ؟
فقال الجاثليق : نعم و أقرّ به .
قرأ الإمام الرضا جزءاً من الإنجيل ، حيث بشّر عيسى بظهور نبي جديد ، كما أخبره بعدد الحواريين ، وقرأ عليه أيضاً كتاب أشعيا .
قال الجاثليق مدهوشاً : وحق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك .
والتفت الإمام إلى رأس الجالوت واحتجّ عليه بالتوراة والزبور .
وكان ' عمران الصابي ' متكلماً ، فسأل الإمام عن وحدانية الله ومسائل كثيرة ، حتى حان وقت صلاة الظهر ، فنهض الإمام إلى الصلاة .
وبعد الصلاة استأنف الإمام حواره مع ' عمران ' حتى انصاع لدين الله الحق ، فاتجه نحو القبلة وسجد لله معلناً إسلامه .
السفر إلى مرو :
لا أحد يعرف الأسباب الحقيقية التي دفعت المأمون إلى انتخاب الإمام الرضا (عليه السلام ) لولاية العهد .
كان الإمام الرضا ( عليه السلام ) في المدينة المنورة عندما جاء أمر الخليفة بالسفر إلى مرو .
شدّ الإمام الرحال إلى خراسان ، فوصل البصرة ومنهاتوجه إلى بغداد ثم توقف في مدينة قم حيث استقبل استقبالاً حافلاً ، ودخلالإمام ضيفاً في أحد بيوتها ، هو اليوم يحمل اسم المدرسة الرضوية .
في نيسابور :
كانت نيسابور مدينة عامرة ، وكانت مركزاً من مراكز العلم ، ثم دُمّرت أيام الهجوم المغولي .
استقبل أهل نيسابور موكب الإمام بفرح ، وكان في طليعتهم المئات من العلماء وطلاّب العلم .
وتجمع العلماء والمحدثون حول موكب الإمام ؛والأقلام بأيديهم ينتظرون من الإمام أن يحدّثهم بأحاديث جدّه النبي ( صلىالله عليه وآله ) .
وتعلّق بعضهم بلجام بغلة الإمام ، وأقسموا عليه قائلين : بحق آبائك الطاهرين إلاّ ما حدّثتنا بحديث نستفيده منك .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : سمعت أبي موسى بنجعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد يقول : سمعت أبي محمد بن علي يقول :سمعت أبي علي بن الحسين يقول : سمعت أبي الحسين بن علي يقول : سمعت أبيأمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليهوآله ) يقول : سمعت جبريل يقول : سمعت الله عزّ وجل يقول : لا إله إلاّالله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي .
وقد اشتهر هذا الحديث باسم ' حديث سلسلة الذهب ' ، وقد بلغ عدد الذين كتبوا هذا الحديث عشرين ألفاً .
غادر الإمام نيسابور صباحاً ، وفي الطريق حان وقت صلاة الظهر ، فطلب الإمام ماءً للوضوء فاعتذر مرافقوه .
بحث الإمام في الأرض ، فنبع الماء فتوضأ وتوضأ من كان معه ، وما يزال أثره حتى اليوم .
وصل الإمام مدينة ' سنا آباد ' وأسند ظهره إلى جبلهناك كان الناس ينحتون منه قدوراً للطبخ فدعا الله أن يبارك فيه وأمر أنينحتوا قدورا له .
ودخل الإمام دار حميد بن قحطبة الطائي ودخل القبّة التي فيها قبر هارون الرشيد ، ثم خط بيده إلى جانب القبر وقال :
هذه تربتي وفيها أُدفن ، وسيجعل الله هذا المكانمزاراً لشيعتي ، والله ما يزورني منهم زائر إلاّ وجب له غفران الله ورحمتهبشفاعتنا أهل البيت ( عليهم السلام ) .ثم صلى ركعات وسجد ثم صلى ركعات وسجد سجدة طويلة . . . سبّح الله فيها خمسمائة مرّة